قال ابن كثير رحمه الله : " وكان من أخلاقه صلى الله عليه
وسلم أنه جميل العشرة ، دائم البـِـشر يداعب أهله ، ويتلطف بهم ، ويوسعهم
نفقته ، ويضاحك نساءه ، حتى أنه كان يسابق عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها ، يتودّد إليها بذلك . قالت : "هذه بتلك "
ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ؛ ثم تنصرف كل
واحدة إلى منزلها .
وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كتفيه الرداء ، وينام
بالإزار .
وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله ، يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام ،
يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَه(
فما أحسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه ،
وما ألطفه بهن وأحلمه عليهن وأكرمهن لهن صلى الله
عليه وسلم .
وانظر إلى هذا الموقف العظيم الذي يبين مكانه المرأة في بيت النبوة ، ويبين
أيضاً لطف النبي صلى الله عليه وسلم بنسائه
وحبّ نسائه له عليه الصلاة والسلام .
فقد روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه
صلى الله عليه وسلم قال لها : " إني لأعلم إذا كنت راضية ، وإذا كنت عليّ
غضبى" قالت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : " أما إذا كنت عني راضية ، فإنك
تقولين : لا وربّ محمد ، وإذا كنت غضبي قلت : لا وربّ إبراهيم " قالت : أجل
والله يا رسول الله ، ما أهجر إلا اسمك "
(متفق عليه)
إن هذه الكلمات الدافئة و المشاعر الفياضة ، والحنان التام حق من حقوق
المرأة على زوجها ، فلماذا لا تطالب بعض النساء بهذا الحق الذي لهن ، بينما
تطالب بأمور أخرى لا يقرها الشرع ؛ كالتبرج والاختلاط والنزول إلى
مجتمعات الرجال ومجاورتهم في مكاتبهم و مصانعهم ومعاملهم مدعية ً مشورتها
ورغبتها في كثير ٍ من الأمور .
فعن جابر رضي الله عنه ، أن عائشة رضي الله عنها
في حجة النبي صلى الله عليه وسلم – وساق حديثا ً
قال فيه - :" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ً سهلا ً
، إذا هويت الشيء تابعها عليها"
(رواه مسلم (
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم رقة النساء ، وصدق
مشاعرهن ، ورهافة حسهن ، ولذلك كان يرفق بهن ويحترم رغباتهن .
فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
دخل الحبشة المسجد يلعبون ، فقال لي :" أتحبين أن تنظري إليهم ؟" فقلت :
نعم ، فأسندت وجهي على خده .
فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : "حسبك"
فقلت : يا رسول الله لا تعجل .
فقام لي . ثم قال لي : " حسبك "
فقلت : لا تعجل يا رسول الله .
قالت : وما لي حبّ النظر إليهم ، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي "
إنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، أعظم إنسان عامل امرأة ً تلك المكانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإذا لم تكن هذه المرأة سعيدة فمن السعيدة إذن ؟
وإذا لم تكن حرة فمن الحرة إذن ؟
هل الحرية في التمرد على الدين والأخلاق و المبادئ ؟
هل الحرية في التهتك ، والتبرج ، و التعري ، و الفجور ؟
هل الحرية في ذبح العفاف ، ووأد الفضيلة ، وقتل الغيرة ؟
إن الحرية الحقيقة هي ما كانت تعيشه زوجات النبي صلى الله
عليه وسلم في ظل هذا الزوج العظيم .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله إن كنّا
في الجاهلية ما نعدُّ النساء أمرًا – أي لا نرى لهن شأنّا – حتى أنزل الله فيهن ما أنزل ، وقسم ،
فبينما أنا في أمر أئتمره
إذ قالت لي امرأتي : لو صنعت كذا وكذا
فقلت لها : ومالك ِ أنت ولما ها هنا ؟ وما تكلُّف في أمر ٍ أريده ؟
فقالت لي : عجبا ً لك يا ابن الخطاب ! ما تريد أن تراجع أنت ، وإن ابنتك
لتراجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، حتى يظل يومه غضبان !!
فلما سمع عمر ذلك ، أخذ رداءه وخرج حتى دخل على حفصه ابنته فقال لها : يا
بنية ! إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان ؟
فقالت : والله إنا لنراجعه .
قال : تعلمين أني أحذرك عقوبة الله و غضب رسوله .
يا بنية ! لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها ، وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
إيِّاها – يعني عائشة- رضي الله عنها-
ثم دخل عمر على أمًّ سلمة رضي الله عنها : عجباً
لك يا ابن الخطاب ! قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
أزواجه .
قال : فأخذتني أخذا ً ، كسرتني عن بعض ما كنت أجد ، فخرجت من عندها .."
هكذا كان يعامل النبي (صلى الله عليه وسلم)
أزواجه ويصبر عليهن ويحتمل أذاهن ، حتى إن إحداهن لتراجعه حتى يظل يومه
غضبان .
إن ميثاق تحرير المرأة عقد يوم نزل الوحي على رسول الله
صلى الله عليه وسلم في مكة ، فنشأ بذلك عهد
جديد حصلت فيه المرأة على كافة حقوقها ..
إن ميثاق تحرير المرأة نشأ يوم قال عليه الصلاة والسلام : " حبب إلي من
دنياكم النساء..."
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " اللهم إني
أحرّجُ حقّ الضعيفين : اليتيم و المرأة "
ويوم قال صلى الله عليه وسلم : " لا يجلد أحدكم
امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها في آخر النهار " .
ويوم قال صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم
لأهله ، وأنا خيركم لأهلي "
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة
الصالحة "
ويوم قال عليه الصلاة والسلام خطيباً في حجة الوداع وسط أكثر من مائة ألف
حاج قائلاًَ : " ...فاتقوا الله في النساء ،
فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن
بكلمة الله"
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء
يوم القيامة وشقّه مائل "
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " لا تضربوا إماء الله"
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " إنك مهما أنفقت عل أهلك ؛ فإنك تؤجر
عليها ، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك "
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : " استوصوا بالنساء خيراً "
ويوم قال عليه الصلاة والسلام : "إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجر"
هذا هو التحرير الحقيقي للمرأة؛ زوج يحب زوجته ، ويلطف بها ، ويعطف عليها ،
ويرحمها ، ويقوم بنفقتها ، ويقدر مشاعرها، ويطعمها مما يطعم ، ويكسوها
إذا اكتسى ، لا يشتم ولا يلعن ولا يقبح ولا يذم ؛ بل يرفع اللقمة إلى فيها
فيطعمها ، ويناولها كأس الماء فيرويها، ويقوم بحاجتها النفسية والثقافية
والاجتماعية والصحية ، كل ذلك في بيتها درة مصونة ، ولؤلؤة مكنونة لا تطمع
في النظر إليها الأعين ، ولا تتخيل ملامستها الأيدي ، ولا تجرؤ على النيل
منها الألسن .
هذا هو التحرير الحقيقي للمرأة لا ما يدعوها إليه ضعاف النفوس الذين لا
يريدون الخير للمرأة وإنما يريدونها أن تكون كالمرأة الغربية جسداً بلا روح
، ودمية تتداولها الأيدي فترة من الزمان ثم ما تلبث أن يلقى بها في غياهب
النسيان تصارع من أجل البقاء فلا تجد يداً حانية تمتد إليها في وقت ضعفها
وكبرها ، ولا تجد يداً تستمع لشكواها وتتألم لآلامها وتهتم لهمومها ، ولا
تجد عيناً تنظر إليها نظرة عطف وحنان وتقدير بعدما فقدت شبابها الذي
كانوا يتهافتون عليها من أجله