احلا مجموعه قصص مختارة بس جميله جدا

القطار


تحرك القطار. و تحركت معه دواخل في نفسي .. ثمة شيء، يشدني إلى الخلف. الخوف. الرهبة. الرغبة في عدم مبارحة المكان. تحضر في نفسي حارتي القديمة وأغنيتي القديمة وحبيبتي القديمة.
لم أنساها تماما وتمر أيام بل شهور، تغيب عني ولا يمر لها في رأسي الأشيب أي أثر.
لا ذكرى ولا هاجس، لكنها تحضر كعروسة مطرزة بالحناء، أو مضرجة بالدماء و متخمة بالخوف.
لا أعرف أي وصف هو أدق.
ما أشعر به أنها تحضر في ّ مكللة بشيء ما. ربما حاجتي الدائمة للأمان والشعور بالانتماء إليها بشكل واضح ودقيق.
حضورها فيّ يجعلني لا أخاف الأزمات.
سفري أزمة؟
سألت نفسي.
الابتعاد عن الأرض أزمة. الفراق أزمة. بُعد المسافة أزمة.
إنها أزمة حقيقية في نفسي.

مرّ برأسي منذ تحرك القطار شريط الذكريات.
آلام وآمال. صور عديدة .. كلمات تتشابك ، و أشياء لا تحصى ، كلٌ يتراكض .. كلٌ يحاول التوحد في ذاته ، كل شيء يخاف التمزق والفراق والغربة.
كل شيء في ّ يخاف الوجوه والقلوب وحتى الأسماء الغريبة.
الصور تتداعى و الأصوات تحضر الآن في رأسي الأشيب.
وأقول دون أن ادري مستغربا هذه الحالة..

يا الله ....... الذكريات الآن تأخذني إلى صوتها، وبهدوء، بهدوء شديد بل بانكسار ردت..
تصبح على خير..

الابتعاد الأزمة ، والشعور بالغربة في رحلة متجهة غرباً أزمة أعظمُ .
شيء يشدني إليها ، شيء غير معروف يتخلل مسامات جلدي و يتغلل في كل جسدي ، .. مشاعري تشدني هي أيضا للخلف لترسم لي خوفا مريعاً ، كلما فكرت أننا كزجاج قابل للكسر.
كلانا يخاف حتى من فكرة الفراق ، ولو لدقائق، نرتوي من بعضنا ولا نرتوي أبداً. وحين أحسسنا أن صوتنا عبر الهاتف بدأ يجف و يزداد غربةً لاختلافات الروئ ، تنسحب هي بانكسار وهي تردد .. تصبح على خير.

أغلقُ السماعة لأجدها أمامي في وحدتي ، تضيء كل شيء فيّ ، كمنارة السفن البعيدة.

كم رائعة هي .. في تلك اللحظة.
كم تمنيت لو أنام و رأسي يتوسد ذراعها ، و بأناملها تعبث في شعر رأسي الأشيب.

من هي؟

لا أعرف حقاً سحر هذه المرأة، و مدى قدرتها في أن تجعلني عجينة تشعلني غَـضِباً متى أرادت، ولترضيني رضيعاً بين يديها متى أرادت، وتسقيني عطشاً عذب الكلمات كغيث يحيي الرميم.

و في الصباح .. لا تتصل كعادتها.
الخامسة، السادسة ، السابعة ، الثامنة.
لا احتمل أكثر ... فاتصل بها صارخاً في وجهها.
ألا تعلمين أنني كنت غاضبا بالأمس؟
لما لا تراضيني؟
يأتي صوتها بهدوء ..

: عمري أنا خفت أن أغضبك أكثر.
لكني والله لا اعرف ما يعترني الآن. عيوني وقلبي بل كلي يهتز كلما تخيلت رنين الهاتف.
أرجوك لا تغضب مني .
فأقول لها : لا.لا. إذا غضبت راضيني، أنا طفل في الخمسين.
تنصت قليلاً وكأنها تبحث عن ترياق لعلاجي. ثم تقول بهدوء ودلال كعادتها: أنا أيضا طفلة.
حبيبي أنا طفلة ألا تخاف على طفلتك؟
أنا طفلة لكني لن أقول كم هو عمري.
فنضحك معاً كطفلين يلعبان بالرمل ويتراشقان به. فتشرق روحينا من جديد .

يتجدد فينا أحساس أننا خلقنا لبعضنا منذ الأزل، ولن يفرقنا إلى الموت.
فيهتز القطار.
يهتز القطار.

ماذا لو متنا معا، أليس أجمل وأكمل.؟

أشد على يديها .. أحس بقلبها يهتز، بولهٍ غريب ودافئ وهي قربي.
أناديها بلا صوت.
يا حارتي القديمة،
يا عتبان المسجد والحسينية وبيوت المعوزين؟
فتجيبني الجدران الطينية.
في زمن النفط.!!
فتنبت في رأسي الكثير من علامات الاستفهام والمرارة.
أخاف عليها من الأيام ومن الحاجة، أخاف عليها حتى منها. حتى من طيبتها المتناهية.
هي وأنا والتراب. تراب زقاق بيتنا القديم، دائماً معاً.
نغنى، ونبكي ونضحك ونجوع.
نفرح معا حتى لننسى أننا معا. نصاب بالخوف فجأة ويلبسنا الرعب لأقل فراق..
وفي لحظة الفراق نصاب بالجنون ، وبالحاجة للعناق لنبقى كما كنا. نريد أن نكون كل منا للآخر لابد أن فينا شيئاً يشدنا لنبقى لبعض حتى قبل أن نخلق بيد الله.

القطار يهتز. لكني الآن لا أخاف من شيء.
حتى القطار لا يمكنه أن يأخذني بعيدا جداً. مهما كان فالقطار.. ليس الله.


<hr style="COLOR: #d1d1e1" SIZE=1>
آه منا نحن معشر الحمير



يحكى أننا نحن الحمير كنا في قديم الزمان نتحدث بلغة كالتي تتحدثون بها أنتم البشر، كانت لنا لغة خاصة بنا.
ويحكى أننا لم نكن ننهق في قديم الزمان كما نحن عليه الآن، وتعلمون أننا الآن نعبر عن رغباتنا وأحاسيسنا، ومشاعرنا، وأفراحنا، وأتراحنا فيما بيننا بواسطة النهيق!
النهيق هو إصدار صوت مؤلف من حرفين بشكل متكرر :» هـ .. ا، هـ... ااا« هذا هو النهيق..
تقلصت لغتنا الغنية تلك، وتقلصت الى أن صارت كلمة واحدة مؤلفة من حرفين. يعود ربط ألسنتنا نحن الحمير الى حادثة قديمة جداً.. يحكى أن هنالك حماراً عجوزاً من الجيل القديم، في يوم من تلك الأيام كان يرعى هذا الحمار العجوز في البراري وحده، وكان يغني الاغنيات الحميرية في أثناء الرعي، في لحظة من تلك اللحظات تناهت الى أنفه رائحة..
إنها رائحة ليست طيبة، إنها رائحة ذئب.
رفع الحمار ابن الجيل القديم أنفه الى الأعلى، وبدأ يستنشق بعمق، الجو يحمل رائحة ذئب حادة.. سلّى الحمار العجوز نفسه بقوله :
- لا يا روحي، إنه ليس ذنباً..
وتابع الرعي..
ولكن رائحة الذئب تزداد بالتدريج.. اما الحمار العجوز فهو خائف من جهة، ومتظاهر باللا مبالاة من جهة أخرى، ويقول لنفسه :
- ليس ذئباً.. لماذا سيأتي الذئب الى هنا؟ ولم سيلقاني؟ بينما كان يسلّي نفسه هكذا، فجأة تناهى الى أذنيه صوت..
ليس صوتاً عذباً، إنه صوت ذئب..
شنف الحمار العجوز أذنيه رافعا إياهما الى أعلى... نعم إنه صوت ذئب، ولأنه غير راض بمجيء الذئب، تابع قضم العشب وهو يقول :
- لا يا روحي.. هذا الصوت ليس صوت ذئب... يتهيأ لي...
إقترب كثيراً جداً ذلك الصوت المخيف، والحمار يقول لنفسه :
- لا، لا... أتمنى ألا يكون ذئباً... أما عند الذئب عمل آخر ليأتي الى هنا؟!
من ناحية أخرى سيطر الرعب على قلبه، وبدأ يتلفت فيما حوله..
نظر.. وإذا بذئب يظهر بين الضباب والدخان على قمة الجبل المقابل.. فقال :
- هـ ا ا ا، ما أراه ليس ذئباً لا بد أنه شيء آخر.
إزداد خوفه عندما رأى الذئب يعدو خلف الاشجار. ولكن لأنه غير راغب في مجيء الذئب، خدع نفسه قائلاً :
- ليس ذئباً، إن شاء الله لا يكون ذئباً..أما بقي له مكان آخر ليجد هذا المكان ويأتي الى هنا؟ لم تعد عيناي سليمتين، لهذا فإنني ظننت أن خيال الأشجار ذئب.
إقترب الذئب اكثر، عندما صارت المسافة بينهما خمسين خطوة حميرية، سلّى نفسه قائلاً:
- جعل الله بمشيئته هذا المخلوق الذي أراه أمامي ليس ذئباً...لم سيكون ذئباً يا روحي .. لعله جمل أو فيل، ولعله شيء آخر.. ويمكن ألا يكون شيئاً البتة.
إقترب الذئب مكشراً عن أنيابه، وعندما بقي بينهما عدة خطوات، قال الحمار العجوز :
- أنا أعرف أن هذا القادم ليس ذئباً، نعم أنه ليس ذئباً، ولكن ليس سيئاً أن أبتعد عن هذا المكان قليلاً..
بدأ المسير.. نظر خلفه فوجد أن الذئب يتبعه مكشراً عن أنيابه، مسيلاً لعابه.
بدأ الحمار إبن الجيل القديم بالدعاء والتوسل لربه :
- يا ربي إجعل هذا الذي يتبعني ليس ذئباً حتى ولو كان كذلك.. إنه ليس ذئباً يا روحي، وكل خوفي لا معنى له..؟!



بدأ الحمار العجوز يعدو، وركض الذئب خلفه. ركض الحمار بكل ما تقوى عليه قوائمه، وهو يقول في داخله : - إنه ليس ذئباً حتى لو كان كذلك... اللهم لا تجعله ذئباً... لم سيكون ذئباً يا روحي؟
هرب الحمار وتبعه الذئب. عندما شعر الحمار بأنفاس الذئب الساخنة تحت ذيله، قال لنفسه :
- انا أراهن إن هذا ليس ذئباً... لا يمكن أن يكون المخلوق الذي أشعر بأنفاسه تحت ذيلي ذئباً... عندما لامس فم الذئب الرطب ما بين فخذي الحمار، إنهار الحمار تماماً... إلتفت، نظرخلفه، فوجد الذئب يهم بالقفز عليه.. تجمد الحمار تحت تأثير نظرات الذئب الحادة فما عاد يستطيع أن يخطو خطوة واحدة، فأغمض عينيه كي لا يرى الذئب، وبدأ يتأتىء بالقول :
- إنه ليس ذئباً يا روحي... إنه ليس ذئباً بمشيئة الله... لم سيكون ذئباً؟ عض الذئب الشرس الجائع بأنيابه الحادة الحمار من فخذه، وقضم قطعة كبيرة... إرتبط لسان الحمار وهو يهوي على الأرض ألماً... ومن خوفه نسي اللغة الحميرية. نهشه الذئب من رقبته وصدره وبدأ ينفر الدم من جميع أطراف الحمار، وعندئذ بدأ يصرخ :
- هـ اا.. إنه ذئب هـ... ااا، هو .. هـ.. ااا... هو وووو.
الذئب يمزقه، وهو بسبب ارتباط لسانه لا يصرخ إلا :
- هـ اااا... هووووو.. هـ اا... ااا، هـاااا
سمعت الحمير كلها صراخ الحمار من الجيل القديم بآخر كلماته. حيث كانت تردد أصداءها صخور الجبال، وهو يتمزق بين أنياب الذئب :
- هـ اااا، هـ ااا، هـ اااااا....
وهكذا يقال إننا نحن الحمير نسينا المخاطبة والمحادثة منذ ذلك اليوم، وبدأنا نعبر عن أفكارنا بواسطة النهيق... ولو لم يخدع نفسه ذلك الحمار إبن الجيل القديم حتى وصل الخطر الى تحت ذيله، كنا سنبقى على معرفة بالكلام....!!!!؟؟؟ آه منا نحن الحمير.... آه منا نحن الحمير.... هـ ااا... هـ ااا.... هـ ااا

مشكووووووور

مشكور جدا موضوع جميل

مشكوررررررررررررررررررررر

شكراااااااااااا يامان

شكرررررررررررررررررررررررررررررررررررررا

8) مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور