بعد تخرجي من كلية علوم الكيمياء واجهتني مشكلة عصيبة! ألا وهي
أن احصل على عمل مناسب لأساعد أمي المريضة وأختي التي لم تكمل دراستها
بعد...وبدأت ابحث وابحث..حتى كدت أن افقد بصيص الأمل الذي كنت ألاحقه ليل
نهار لعله يمنحني نورا امحي به عتمة دربي القاتم...
بقيت ابحث ثلاثة أشهر متواصلة..طرقت خلالها كل الأبواب لعلي أجد ما ابحث
عنه وخلال تلك الفترة العصيبة كان يسيطر على تفكيري سؤال واحد ربما شغل
الكثيرين..منهم من أجاب عنه ومنهم لا!! انه لم يكن مجرد تساؤل عابر ..بل
لعله كان هاجسا للشيطان يد فيه..
كنت اسأل نفسي كل يوم ألف مرة ..أيهما أهم العافية أم المال؟؟؟؟؟؟؟؟
لن أنكر انّ شتات أفكاري وبقايا نفسيتي المحبطة التي طعنتها سكاكين اليأس
قادوني لإجابة واحدة لا غير ...انه المال..!
بعد أشهر البحث الثلاثة ....وجدت عملا في احد مختبرات التحليل فكان يوم
حصولي على العمل أفضل يوم عشته بعد تخرّجي..يوم منحني أملا جديدا...
عملت في المختبر ..كان عالما جديدا أتعلم فيه كل يوم عشرات الأشياء الجديدة
التي تبدد في داخلي مبادئ خاطئة كانت تحتل حشاش عقلي.
وذات يوم حضر إلى المختبر رجل في حوالي الخمسين من عمره يتعكز على ولديه
اللذين يحملانه تقريبا ...انه لم يكن قادرا على السير على من شدة
الألم!...لقد هجمت عليه جيوش المرض فتمكنت من جسده الحثيث..
"آسفة لقد اظهر التحليل انه يعاني من تليف في الكبد "
هذا ما قلته لابنه عندما جاء ليأخذ نتيجة التحليل وأنا متألمة لما يحصل..
بدأ الشاب الذي لم يتجاوز العشرين من عمره بالبكاء وأجابني بنبرة مفعمة
بالأسى ودموعه الحارقة لم تتوقف عن الهطول..
"لقد فضل المال على صحته! بقي يجري جري الوحوش ليجمع المال..كان يقول أن
المال هو الأهم! فهل يستطيع المال إنقاذه ألان؟!!"
عندما سمعت هذه الكلمات اليائسة انتابتني دهشة غريبة فوقفت صامتة لا اعرف
بماذا اجيب..لقد تخيلت نفسي مكان ذلك الرجل المريض فملأني الرعب !! فانا
أفكر بطريقة تحاكي طريقة تفكيره!
وغابت شمس ذلك اليوم وكانها لم تغب قط من قبل ..غربت لتغرب معها هواجس
الشيطان التي جعلتني أفكر مجرد التفكير بان المال هو الاهم!!
فالعافية أغلى من الماس...